متى سيتعافى ويتسامى المثقفون؟

 في سلوك الكائنات في جزء هو رد فعل إنعكاسي، ودي أوامر مرتبة في تنفيذها ومحفورة في المخ ومربوطة بمؤثرات محددة حتى يتم تنفيذها بسرعة للحفاظ على حياة الكائن. زي انك تبعد يدك لو شعرت بحرارة النار.

الإنسان في فترات الهدوء والإطمئنان، وبالذات المثقفين، قد يتبنى (موقفاً) تجاه التراتب الإقتصادي الإجتماعي يختلف عن (موقعه) الإقتصادي الإجتماعي.

 كأن يكون من الطبقة البرجوازية ولكنه يتبنى الدفاع عن المهمشين. وأن يرى السودان وطنه والسودانيات والسودانيين مواطنينه، لا أن يرى نفسه واسرته وعشيرته وقبيلته فقط.

ولكن إن وجد نفسه في خضم حرب تهدد وجوده واسرته وأهله وممتلكاته، فصدمة الحرب Trauma كفيلة بأن يكون رد فعله مبني على وجوده الاقتصادي الاجتماعي كرد فعل انعكاسي مبرمج،  وليس مبنياً على موقفه الاقتصادي الاجتماعي الذي يتطلب أعمال الفكر والتمحيص. فيصرخ بأسم الأسرة والعشيرة القبيلة والجهة من كان يدعو للحداثة.

يتحول السودان، نتيجة لعنف صدمة الحرب، لأسر وعشائر وقبائل وجهات متقاتلة، حروب صغيرة ومتوسطة وكبيرة في كل بيت وحي وفريق ومدينة ومعسكر ومنفى، كل جهة من الجهات الأربعة، ويصير رد الفعل الإنعكاسي المبرمج هو السائد، أنج سعد فقد هلك سعيد.

تتحول اللغة والسلوك والتفكير إلى كيف نقاوم، كيف نحمي ما تبقى، كيف نرد الضربة ونبيد هذا التهديد. تتحول الحياة لحياة عسكرية، تفكير عسكري، ولغة عسكرية. تتحول العيون والأذان إلى اجهزة رادار وسونار تسبر وتفتش في ملامح السودانية والسوداني الآخر: أهو منا أم هو منهم؟ اهو دعم أم تهديد؟ 

اما الأن وقد استطالت الحرب وتطاولت وتوسعت عواقبها، فلربما أفاق المثقفين من صدمة الحرب ليتخلوا عن ردود الأفعال الانعكاسية، ونعمل عقولنا لدرء اثر دعم الحرب التي لايبدو أن لها نهاية، في رؤى شاملة ترى جميع السودانيات والسودانيين، وليس ذواتنا المصدومة فقط.

يجب ان نعمل عقولنا خارج دائرة الفعل ورد الفعل التي رسمتها الأطراف الداخلة في الحرب، ونبدأ في بناء الحلول التي هى منا وليس ناتج عن أفعالهم هم، الحلول التي ستهتم بمن تضرروا من الحرب فعلاً ولا زالوا يتضررون.

ليس في الشمال والوسط فقط ولا في دارفور وكردفان فقط أو الجزيرة او الشرق او النيل الازرق

وانما في السودان جميعه كمجتمع واحد ينبض بالحياة ويهمنا أمر جميع مواطنيه بنفس القدر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حتى لا يتمزق السودان

الحارس مالنا ودمنا

السودان وأزمة دولة مابعد الإستعمار -2-