إدوارد سعيد وأنا وما بعد الإستعمار

في رؤية إدوارد سعيد وفي رؤى مدرسة ما بعد الإستعمار يتم تحليل خطابات سائدة وخطابات مسودة في مجالات مختلفة ثقافية وسياسية ،إبداعية وتقريرية، وفلسفية. كل هذه الخطابات تنطلق من وعي الحداثة الأوروبي برموزه ورؤيته التي تم إنتاجها في عصر صعود الإنسان والعلم والثورة الصناعية. 
إنسان الحداثة الأوروبي وقد قتل الآلهة وإمتلك السماء، طفق يرمز العالم من حوله ويعيد إستيعابه لا كما هو العالم في حقيقته، ولكن العالم كما أخترعه ابن الحداثة بإعتباره هو مركز العالم وإلهه الجديد، والذي سيقود العالم لإكتماله . وهكذا ومن خلال هذا القناع الرمزي كان إبن الحداثة الغربي يرى باقي المجتمعات الإنسانية لا كما هى في الواقع ، ولكن كمجتمعات متخيلة لا تستطيع أن تعبر عن نفسها ولا أن تخرج من أطوار التخلف إلا بأن يعبر عنها الأوروبي وينتشلها من وهدتها ويقودها للنور. بالطبع هذه الرؤية الجذر المادي لها يقع في مؤسسات الإستعمار والحوجة الإقتصادية للأسواق ونهب الريع للبلدان المستعمرة وإستخدامهم لبناء البلدان الأوروبية. 
هذه الرؤى وإن كانت فصيحة وصارخة في الخطابات السياسية التي تدعم الإستعمار، إلا أنها وبمركزيتها في وعي الحداثة الأوروبي، تعبر عن نفسها بفصاحة حتى في خطابات الإنسانيين والكونيين، الذين يعبرون عن الضمير الإنساني الأوروبي. فمثلاً مقولة زي "يا عمال العالم إتحدوا" في مساواتها بين عمال المستعمر وعمال الدول المستعمرة، تهمل إهمالاً شنيعاً أن للعامل الأوروبي مصلحة ونصيب في الإستعمار، فهو غير أنه يتمتع بنهب ريع البلاد، مشارك في حصص فائض القيمة من عمال البلدان المستعمرة، فكيف تطالب من المقهور أن يتحد مع قاهره، إلا إن كنت (ومن حيث لا تفكر) تمالئ المستعمر.
في رؤيتي وأنا بنطلق من المنهج المادي الجدلي التاريخي لأقول أن الإستعمار وبتدخله في الإقتصادي الإجتماعي للشعوب يقوم بتغيير الجدل الإقتصادي الإجتماعي التاريخي الحر للمجتمعات والذي يقود حركتها ، ويقوم بقهر وصناعة نمط إنتاج أسميته "نمط إنتاج ما بعد الإستعمار" وبالطبع يمثل نمط الإنتاج الهجين المصنوع الجذر والسلمة الأولى لتكوين الوعي وطريقة التفكير السائدة في البلدان التي تم إستعمارها. في هذا النمط المصنوع والذي يتم فيه التهجين بين الآلة الحداثية التي أدخلها المستعمر والبنيات التقليدية في البلدان المستعمرة، لا يستطيع النمط التقليدي كما أعاد إنتاجه الإستعمار هزيمة الحداثة، ولا تستطيع الحداثة وقد أدخلت كأداة تتحرك بالقيم القديمة تجاوز البنى التقليدية، فتظل البلد تراوح مكانها، إلى أن يحدث إختراق من قبل الرؤية البرجوازية كما آمل وأوضح في كتاباتي المختلفة.
بينما يركز إدوارد سعيد ومدرسة ما بعد الكولونيالية على دراسة خطابات الأوربيين عنا، أو نحن ومجتمعاتنا كما نبدو في رؤى الأوروبيين. أركز أنا على دراسة واقعنا كماهو موجود، كما نراه ونعيشه. يعني أرانا بعيوننا، لا في رؤاهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الطرف الثالث في حرب الخرطوم

انطفاء

الجنجويد في نادي نخبة الخرطوم