صراع الهويات


الهوية هى تعبير متعدد الأبعاد عن الفرد والجماعة في مواجهة الآخرين أفراداً وجماعات.

الهوية مركبة وويمكن أن يتم تفكيكها لوحدات لا نهائية، فمثلاً هناك سوداني(هوية وطنية)، دنقلاوي(هوية عرقية)، خريج جامعة الخرطوم(هوية مؤسسة تعليمية)، من السليم (هوية جغرافية)، ذي ثقافة عربية إسلامية(هوية ثقافية) ...الخ ..الخ. الهويات الجزئية داخل الهوية المركبة قد تتناقض، و يظهر هذا التناقض بوضوح عند الصراع بين جماعتين كل منهما تتبنى إحدي الهويات الجزئية كأداة للصراع.
الهوية المعينة تظهر دون سواها من الهويات في الهوية المركبة كإستجابة لتحدي خارجي سواء إن كان يمثل تهديداً أو نفعاً.
الهوية تعبير عن إنتماء لجماعة ما ، بدأت مع بزوغ فجر الإنسانية والمؤسسات الإجتماعية الأولية وتميز بين نحن وهم.
الهوية غير إنها ترسم ملامح الجماعة وتحدد الحدود بينها وبين الآخرين، فمحتواها المادي هو مصالح الجماعة المعينة في الصراع الإقتصادي الإجتماعي، ولكل جماعة نخبة تعمل على صيانة وإعادة إنتاج اسطورة الجماعة بواسطة مؤسساتها، وبذا يتعاظم نصيب الجماعة وبالتالي النخبة من الميزات والناتج الإقتصادي للمجتمع.
الهوية هى تعبير (ذاتي) عن الجماعة، يمدحهم بكل الصفات الحميدة التي يظنون إنها تشبههم، والهوية تكون مدعومة بأسطورة الجماعة التي تحكي القصص التاريخية والتجارب التي تؤكد هويتهم وإتساقها والتي بموجبها نالوا مكانتهم عبر التاريخ.
الهوية الكبرى التي تحتوى كل الهويات الجزئية تسود في حالة التهديد الخارجي للجماعات التي تضمها هذه الهوية، ولكن في حالة الصراع الداخلي تنحاز كل جماعة للهوية الجزئية وترفعها علماً في المعركة.
الهوية تبنيها وتصينها وتخلق أسطورتها وتدافع عنها المؤسسات الإجتماعية الإقتصادية، لأن الهوية تساهم في إنتاج وإعادة إنتاج نصيب المؤسسة من الناتج الإقتصادي في المجتمع بل وتسهم في إقناع أفرادها والمجتمع بضرورة وجود وإستمرار المؤسسة.
الكلام دا كلو كتبتو عشان داير أصل لي كلام محدد:
(صراع الهويات لا ينتهي وأبدي ودائم، ولذا من يتبناه كرؤية للصراع يتبنى رؤية لن توصله لأي حل. قل أن الهويات المسودة إنتصرت في الصراع، غداً ، بل الآن وفي خضم الصراع ستنقسم هذه الهويات لهوياتها الجزئية وفيها هويات سائدة وهويات مسودة، وهكذا الى ما لانهاية، ولن تنتهي الحرب أبداً).

صحيح إن من يستخدمون الهوية في قهر ونهب وتقسيم الشعوب خطر على مصلحة العيش المشترك بين مجتمعات الشعب السوداني، خطر على بقاء الدولة السودانية. ولكن بالمقابل من يستخدمون الهوية لمحاربة هؤلاء يقعون في فخ القاهر والناهب، لأن هويتي مقابل هويتك ليست الحل، بل الحل أن نرفع هويتك وهويتي الجزئية لهوية أعلى تستوعبنا جميعاً، وأن نحارب القاهر الناهب معاً، ونصلح الدولة والمؤسسات التي تتيح الإستعلاء العرقي والديني والإقتصادي، التي تتيح الإستعلاء الهوياتي. 
حل مشكلة الهويات هو في الأساس حل لمشكلة الدولة والمؤسسات الموجودة في نظامنا الإقتصادي الإجتماعي. بدولة المواطنة يتم رفع صراع الهويات الجزئية للإندماج في الهوية الكلية، وبتفكيك وتركيب المؤسسات الإقتصادي الإجتماعية وإتاحة الفرصة لأي سوداني أراد الإنضمام لها أن يفعل، وتحويلها من مؤسسات مغلقة لمؤسسات مفتوحة لجميع السودانيين، وبالعلمانية تبعد الدولة نفسها من الإنحياز لرؤية دينية او ثقافية وتعامل مواطنيها بالتساوى وتترك الصراع ليدور سلمياً في المجتمع، وبالإقتصاد ذي التوجه الإجتماعي الذي يحقق العدالة، ويرفع عن المواطن مشكلة الفقر والجهل والمرض والجوع والعطش والسكن، ويحقق له القدر الإنساني من الرفاه .
ومن بعد، هل سينتهي صراع الهويات، وهل سنتوحد في هوية جامعة؟ لا بالطبع، فكما ذكرت أعلاه ، الهوية مركبة ولا نهائية وتعبر عن مصالح الجماعات والمؤسسات الإقتصادية الإجتماعية في المجتمع وتظهر الهويات الجزئية في خضم الصراع الإجتماعي الإقتصادي، لذا لن ينتهي صراع الهويات، ولكنه سيكون صراع سلمي ديمقراطي.


تعليقات

  1. كلام جميل.. انا بتفق معاك في نقطة معينة وهي انو الصراع اقتصادي والشعارات المرفوعة باختلاف مسمياتها( قبلية، طائفية او اثنية..) كلها شعارات جوفاء غير متجزرة ولا تلمس حقيقة الصراع، الحل كما تفضلت هو الدولة العلمانية البتحمي جميع شرائح المجتمع من الصراع وبتجمعهم تحت المظلة الاقتصادية والمصالح المشتركة بدون تفضيلات لاحد علي الاخر سوي مجهودو الفردي من المعرفة او راس المال. لكن في نقطة انت ما تطرقت ليها وهي راس المال، لانو في ناس اتفاضلو علي الاخرين بنهب ثرواتهم بصورة مباشرة او عن طريق استغلال المنصب..اذا لابد من الرجوع لنقطة الصفر وارجاع جميع الحقوق الي اهلها ثم التقدم للامام.

    ردحذف
    الردود
    1. تحياتي Abdullateef Ahmed وشكراً ليك على التعليق. تطرقت في مقالة بإسم "سيد الرساميل التلاتة عديله لي" لكل أنواع الرأسمال الإجتماعي، الثقافي، الهوياتي ، القداسي والإقتصادي وكيفية تقسيمها على أفراد المجتمع، ياريت لو تقراها. بالنسبة للمظالم التاريخية طبعاً لابد من أن تكون هناك معالجات.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الطرف الثالث في حرب الخرطوم

الجنجويد في نادي نخبة الخرطوم

هل هناك ضرورة للعلمانية في مجتمعاتنا؟