منظمات العمل الطوعي، قف تأمل !

أحب أن أنوه في بداية مقالي أنني من المنادين بضرورة العمل الطوعي ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام، ورأيي أن لها دور عظيم يتداخل مع ويكمل عمل الدولة وعمل الأحزاب السياسية ولا يناقضه ولا يخصم منه. وإن كان هناك من يجأرون بأن العمل الطوعي يخصم من زخم تقدم التغيير الإجتماعي فلهم أقول أن هذا دليل على تراجع عمل الأحزاب والمنظمات السياسية أكثر منه سرقة لدور هذه الأحزاب والمنظمات بواسطة العمل الطوعي. 
المنظمات الطوعية، الأحزاب، مؤسسات التغيير وأي مؤسسات داخل المجتمع إما أن تشتغل بشروط النظام الإجتماعي الإقتصادي وبي كدا ما بتختلف من المؤسسات الموجودة ، مؤسسات البرجوازية القبلية والبرجوازية الطائفية، أو ضد شروط السائد لتغييره، وعشان تكون كدا لازم تكون في حالة إنتباه دائم للوعي الذي تنسجه وللمادي الذي تغيره.
النقد البتقدم لبعض منظمات العمل الطوعي (والبي تتلقا دعم أجنبي لي برامجها):
1- إنها مخلب قط للرأسمالية العالمية واللبرالية الجديدة وما بعد الحداثة، وإنو عندها أجندتها المعادية لمجتمعاتنا.
2- إن الموظفين الأجانب والمحليين ومن أجل إستمرارية المنح والعطايا والحياة المرفهة التي توفرها لهم هذه المنظمات فمن مصلحتهم إستدامة المآسي التي يعملون عليها وتضخيمها بل ووصناعتها إن لم تكن موجودة.
3- هذه المنظمات لا تعمل بطريقة تضامنية لخلق حافز لكي تنشط وتنهض المجتمعات المحلية بمسؤولياتها، ولكنها بإدخالها نهج العطاء والمنح تدمر هذه المجتمعات وحوافز حركتها الداخلية وتجعلها معتمدة على الأجنبي.
4- هناك فئات تم صناعتها في المجتمع السوداني (من اليسار واليمين) تابعة ووكيل ومروجة لقيم الرأسمال العالمي وبما أن هذه الفئات واسرها مستفيدة من هذا الوضع فإنها تعمل بشراسة للدفاع عنه وإستدامته.

طيب الكلام قد يكون صحيحاً لمنظمات كثيرة ومنها منظمات الأمم المتحدة، لكن مشكلتو إنو بهمل حاجة مهمة: إنو هناك عنف بنيوي في هيكل المجتمعات السودانية، وأن لهذا العنف ضحايا، وأن هذه المنظمات تقدم ,وبأجندتها أعلاه العون لهؤلاء الضحايا، وهذا الهجوم الشرس والعنف من النظام الإقتصادي الإجتماعي السوداني والذي تتسابق الرأسمالية العالمية لإقتناصه وتحويله لمصلحتها، لا يجب أن يقابل  بالآراء التي تطالب برفض وطرد هذه المنظمات، وإنما يجب أن يقابله الإعتراف بالضحايا، الإعتراف بالعنف البنيوي في هيكل مجتمعاتنا ودراسته وتحليله وإقتراح حلول قصيرة وطويلة المدى، وأهم شئ أن تكون هناك (منظمات وطنية) تقدم الدعم والمشاركة والعون والتدريب لمجتمعاتنا كي تتجاوز أزماتها، وأن تكون هناك قوانين ومراقبة ومراجعة للدعم الأجنبي وشفافية في نشر قوائم المنظمات وبرامج عملها وإنجازاتها على الأرض، وأن يرفض أي دعم غير مربوط بالأهداف الإستراتيجية للتغيير في مجتمعاتنا أو يحيل لمصالح الرأسمالية العالمية (الغير مطابقة لأجندتنا الوطنية، المطابقة ما فيها مشكلة).
بالنسبة لمن يعملون في هذه المنظمات، هناك معركة الخارج ضد الرأسمال العالمي وإستغلاله للشعوب عبر مؤسساته العالمية، وفي معركة الداخل مع البرجوازية- الطائفية والبرجوازية-القبلية عبر مؤسساتهم الداخلية. المعركتين المفروض نخوضهم وفي نفس الوكت ما مفروض الزول ينفض يده من مؤسسات الخارج لحدي ما المعركة تنجلي، ولا مفروض ينفض يده من مؤسسات الداخل لحدي ما المعركة تنجلي، ببساطة لانها في الحالة الأولى ملك للإنسان والإنسانية وملك للمواطنين في الحالة الثانية.

لا أطالب بالإتساق مع الضمير العالمي والقيم الأوروبية ,ولا أدعو لتغريب السودان، ولكن هل المشكلة في التسميات، هل المشكلة خلقتها المنظمات؟  ما ضروري نسميها Genocide عشان تكون عندنا مذابح، وما بالضروري نسميها child abuse عشان يظهر عندنا عنف ضد الأطفال، وما بالضروري نسميها Harassment عشان يظهر عندنا تحرش، الحاجات دي قاعدة بالكوم عندنا وسببها الرئيسي (داخلي) من عنف النظام الإجتماعي الإقتصادي السوداني، الرأسمالية تستغلها ما تستغلها ، الحاجات دي موجودة، يبقا لازم نعترف بيها ونعالجها، وأكان غلبنا نطلب المساعدة لحلها ولكن ضمن أجندتنا لا بأجندتهم قدر الإمكان. إنكار هذه الوقائع هو مشكلتي.
  أنا دائماً ما أحاول أن آخد جانب الضحايا، إذا كانت هناك مضار لبعض المنظمات الأجنبية والتي تتلقى الدعم الأجنبي، فلها مزية كبيرة، إنها تقف مع الضحايا والمنتهكين، إذا نحن ما قادرين نقيف مع ضحايا نظامنا الإجتماعي الإقتصادي فعلاً لا تضامناً قولياً، فالأحسن أن تقف معه هذه المنظمات، ونمسك خشمنا علينا.
أوجه أصبعي نحونا، نحن من تركنا ثغرة تحتاجها المجتمعات السودانية، ومن بعد قمنا بالصراخ على من ملأ ذلك الفراغ.
ما يهمني أن لا ننسى ضحايا الإنتهاكات السودانيين والسودانيات في غمرة الهجوم على الأجنبي الرأسمالي النيولبرالي.
ما يهمني : ماذا قدمنا لضحايا الإنتهاكات السودانيين والسودانيات، وماذا سنقدم لهم.


 * الأجندة الوطنية هى التي تحافظ على حقوق وحريات السوداني والسودانية من القهر والنهب الأجنبي

تعليقات

  1. يعني لا نرحم .. لا نخلي الخواجة يرحم

    ردحذف
    الردود
    1. يا Salahaldeen Nadir المقالة بتقول: إذا ما قادرين ترحموا خلو الخواجة يرحم، وإذا ما قادرين ترحمو المشكلة فيكم مافي الضحايا.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الطرف الثالث في حرب الخرطوم

انطفاء

بيدي لا بيد عمرو