هل هناك ضرورة للعلمانية في مجتمعاتنا؟

 هناك فكرة فاسدة عند معظم المسلمين زرعها فيهم المثقفون الاسلاميون وهى أن العلمانية في المجتمعات الغربية نتجت عن مؤسسة الكنيسة وهى مؤسسة كبيرة وراسخة ومتدرجة من كنيسة الحى وحتى رئاستها في روما او غيرها. تاريخياً هيمنت هذه المؤسسة على المجتمعات ونافست وتغلبت على السلاطين، وغيرت من معاني الدين ليتناسب ومصالحها وفسدت وطغت وتجبرت وساندت الطغاة حتى وجب وضعها في حدودها فكانت العلمانية.


كل ما ذكر اعلاه  صحيح واتفق فيه معهم، نقطة الخلاف تأتي بعد مقارنة المجتمعات الغالب فيها الدين الإسلامي مع مجتمعات الغرب، فحينها يقولون أن العلمانية لاتصلح لهذه المجتمعات إذ ليس في الدين الإسلامي من مؤسسة تشابه مؤسسة الكنيسة، فالمسجد مختلف عنها جذرياً، إذن لا مكان العلمانية في هذه المجتمعات.


ما يغيب عنهم او يمارون فيه ان الدين المسيحي ومؤسسته اللاحقة له بدأت وتطورت بمعزل عن الدولة وبل في تضاد معها، وحينما نما وانتشر وكبرت مؤسسته تحالفت اكبر امبراطورية في وقتها وهى الإمبراطورية الرومانية مع مؤسسته، فكان دائما هناك مؤسسات دنيوية للحكم ومؤسسات دينية متحالفة معها وتتبادل معها المصالح والدعم.


القصة مختلفة مع الاسلام، فقد تغلب وانتشر وبنى دولته الخاصة بعد هزيمة من تصارع معهم، ولذا منذ البدء كانت الحكومة نفسها هى المؤسسة الدينية العليا للاسلام، والخليفة والسلطان والملك والرئيس من بعد يجمع في يده السلطتين، الدنيوية والدينية. لم يحتج الاسلام لمؤسسة بديلة تلم شتات المسلمين في زمن صراعهم وخوفهم من السلطة كما الحال مع المسيحية والكنيسة فسلطة الاسلام وحكومته حاضرة منذ البدايات والمسجد مرتبط بها ومؤسسة تابعة لمؤسسات السلطة منذ قيامه، وصاحب الأمر يؤم المسلمين في الجامع الرئيس، وصاحب الأمر هو ظل الله في الارض ويجمع في يده شئون الدين والدنيا إذ لا فرق بينهما في الاسلام.


بهذا الفهم فإن احتياجنا للعلمانية يمتد لا إلى المسجد والشيوخ فقط، بل لغرس رؤية جديدة لمؤسسات الحكم والسلطة تنزع عنها القداسة وتجعلها دنيوية ومسؤولة عن المواطنين غض النظر عن دينهم او رؤيتهم الدينية داخل الاسلام نفسه.


حاجتنا للعلمانية أشد من حوجة الغرب، والمنادون بتطبيقها طريقهم اقسى، ففي الغرب  منذ البدء الحكومة والكنيسة مؤسستان منفصلتان وعندهم "دع ما لقصر لقيصر وما لله لله" ولذا لم تكن فكرة فصل مؤسسة الكنيسة عن مؤسسات الحكم غريبة او صعبة التنفيذ.اما في البلاد الاسلامية فنحتاج ان نفصل ما كان منذ البداية شيئاً واحداً، فالحكومة نفسها هى المؤسسة الدينية وراعية شؤون الدنيا في نفس الوقت والإمام هو رأس الحكم وحامي الدين وعندنا  "كل شئ لله".

تعليقات

  1. المنتصر احمد27 سبتمبر 2023 في 8:38 ص

    https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid026Tptt2UD8m99T2iNCp9bMS6idLpHeLAFLZfPTK5z7tocpoSgYwKwMFHAkJZUTQAul&id=1250059671

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الطرف الثالث في حرب الخرطوم

انطفاء

بيدي لا بيد عمرو