الجنجويد في نادي نخبة الخرطوم

قلت من قبل ان إدارة دولة حديثة تحتاج إلى وعي حداثي، وان المؤسسات الحديثة للدولة في دولة ما بعد الاستعمار ولأنها معشقة مع مؤسسات القبيلة والطريقة والطائفة في المجتمع تنتج وعيا ملتقا لا هو بالحداثي ولاهو بالاقطاعي والنتيجة ان مؤسسات الدولة الحديثة ومؤسسات المجتمع القديمة كلاهما لا يحسن المجتمع إعادة انتاجهما، في الحضر تتدهور مؤسسات الدولة مع استحقار لمؤسسات المجتمع القديمة، وفي الريف تتفكك المؤسسات التقليدية مع تزايد العداء لمؤسسات الدولة الحديثة باعتبارها غريبة وقامعة وناهبة . والنتيجة انهيار شامل.
أدركت النخب البرجوطائفوقبلية ان وعي دولة مابعد الاستعمار والذي يحكم بأدوات حديثة ويرفع طوعا سوط العادات والتقاليد في المجتمع لكي يستمر التراتب المبني على القداسة الدينية والأصل الشريف والثقافة العربية والمكانة الاقتصادية، أدركت النخب ان هذا  الوعي الاجتماعي الذي كان طواعية يقمع المهمشين الثائرين قد تهلهل مع تزايد تهلهل المؤسسات القديمة وارتخاء قبضة مؤسسات الدولة، ولهذا أصبحت هذه النخب لا تستطيع أن تحكم بتفويض طوعي من المجتمع ولذا تتمدد فيها أجهزة القمع الشرطية والامنية والعسكرية مقرونة بتهلهل هذه المؤسسات.
بالمقابل في الريف القبلي لم يسعى البرجوطائفوقبليين نبلاء القبائل الثائرين على الاضطهاد الديني، العنصري والاقتصادي لبناء منظمات ومؤسسات حديثة لتقود الثورة وانما عمدوا لتثوير القبيلة، والقبيلة لاتثور من أجل الحرية والعدالة والسلام وانما من أجل الغنائم والاستعلاء على كل من ليس عضوا في القبيلة. بالنتيجة استعانت الدولة بميليشيات قبلية  دعما لمؤسساتها العسكرية المتهالكة لتحارب مليشيات قبلية ثائرة، وايا من انتصر فقد تم أضعاف  مؤسسات الدولة الحديثة والاعلاء من الوعي الاقطاعي وضعفت سيطرة النخب البرجوطائفوقبلية مع ضعف وتهلهل المؤسسات الحديثة والقديمة، وهذا الوضع سيقود في نهاية المطاف لانهيار دولة مابعد الاستعمار وقيام دويلات المليشيات.
النخب البرجوطائفوقبلية تدرك تماما إنها مع تهلهل مؤسسات الدولة الحديثة وتهلهل وعي العادات والتقاليد  القديم لن تستطيع أن تحكم في وضع ديمقراطي وان كان شكليا حيث سيتجرأ عليها العوام الذين تغير وعيهم وانفكوا من مؤسسات القبيلة والطريقة والطائفة ووعيها القديم.
 اذن ماذا تفعل هذه القوى:  اما ان تعمد إلى بناء نظام ديمقراطي حقيقي وتعيد هيكلة مؤسسات الدولة والمجتمع بحيث تكون هناك دولة قابلة للحياة والتطور، ولكن هنا بهذا الخيار تفكك النخب البرجوطائفوقبلية أسباب ووسائل بقائها. واما ان تعمد إلى دعم أسباب ووسائل وجودها بالقمع والقهر بالاستناد للمؤسسة العسكرية، ولكنها تهلهلت؟! اذن تعتمد على المليشيات القبلية، على حميدتي رأس الجنجويد.
النخب البرجوطائفوقبلية يسارا ويمينا، قوى حديثة وتقليدية، في الخرطوم تحتاج لقائد المليشيا لكي تستمر في السيطرة ولذا تستوعبه وتضمه لناديها، وقائد المليشيا لن يستطيع السيطرة استنادا على القمع المباشر فقط ولذا يحتاجهم كغطاء شرعي، وهذا تأريخ لبداية دخول قادة المليشيا لقمة نادي البرجوطائفوقبليين في المركز.
لن تدرك النخبة لقصر نظرها ان خيارها الخاطئ بدعم رأس الجنجويد قائد المليشيا لن يؤدى في كل الاحوال الا إلى زوال سيطرتها: اما بشروق شمس دولة المليشيات وانهيار الدولة الحالية ودفن نخبتها معها، واما ببناء الجماهير لمؤسساتها من القاع والانتظام في الثورة الشاملة التي ستكنسهم جميعا إلى الأبد..
وما العمل؟ 

ان يعمد الثوار  الان وعلى مدى القصير والطويل لبناء المؤسسات البديلة ابتداءا من القاع، مؤسسات تدعو للعدالة والمواطنة والحرية وينتظم فيها اهالي الريف والحضر، تنظمهم وترفع وعيهم وتكون سلاحهم في المعركة العنيفة الحالية و القادمة. نعم، لجان الاحياء والفرقان والقرى والمدن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الطرف الثالث في حرب الخرطوم

انطفاء

بيدي لا بيد عمرو