ماذا يلزمك لتقود عربة؟

إذا عندك عربية فيلزم لها سائق يحسن قيادتها .
 يلزم عربتك ميكانيكي وكهربائي وحداد وغيرهم يحسنون صيانتها حسب المعايير.
يلزم أن يكون السائق والسائقون الآخرون ملمون بأولويات قانون المرور حتى لا يتصادمون في الشوارع نتيجة التدافع، وقانون المرور يلزم له سلطة تنتجه وتعدله وتطبقه، وسلطة تبني الشوارع وتصينها، وإشارات مرور مركبة بطريقة صحيحة. يلزم أن تكون هناك محطات لتزويد العربات بالوقود، ومؤسسات لإستيراده أو لإنتاجه. 
يلزم عربتك أن تكون هناك شركات لإستيراد العربات، وتسويقها، ولإستيراد الإسبيرات، وأسواق للسيارات المستخدمة.
 يلزم عربتك أن تكون هناك شركات تأمين تنوب عنك في دفع الضرر إن حصل لعربتك أو للآخرين.
يلزم وجود مدارس وجامعات تعلم الكهرباء والميكانيكا والإقتصاد والقانون.

 من الممكن الإستطراد هنا حتى نقول أن وجود عربتك وإستمرارها تعمل بصورة جيدة يستلزم وجود دولة كاملة قائمة لخدمة هذا الغرض.

بالطبع يمكنك في دولة لا توجد بها أي من هذه المؤسسات أن تستورد عربة بإمكانياتك الخاصة، وعندها لابد لك أن تقود في الشوارع الغير ممهدة أو أن تمهدها بنفسك، ستحدث حوادث مرور مريعة نتيجة لعدم وجود قانون ينظم الحركة، ستضطر لتوفير الوقود بنفسك..الخ. 

إذا الدولة غير مهيأة لأداة حديثة مثل عربتك فسيكون مصيرها أن تتدنى فعاليتها وتبلى وتتفكك، وأهم نقطة أن لا مؤسسات تملك المعرفة والخبرة لكي تعيد طريقتك في إنتاج العربة وتشغيلها وقيادتها وصيانتها، لأنك وحدك تملك هذه المعرفة والخبرة ، وإذا ذهبت العربة وذهبت أنت، ذهبت المعرفة والخبرة وتعذر إعادة إنتاجها مرة أخرى. 

 بالضبط هذا ما أحاول أن أشرحه بصدد دولتنا السودانية، دولة ما بعد الإستعمار، والتي قام الإستعمار بتركيب آلة الدولة الحديثة ومؤسساتها بدون أن تتغير طريقة التفكير الإقطاعية لطريقة تفكير حديثة، فأصبحنا نملك مؤسسات حديثة: الجيش، الشرطة، التعليم، الصحة، الخدمة المدنية، ..الخ في دولة إقطاعية يسيطر على مراكزها البرجوطائفوقبليين.

طريقة التفكير الحديثة تستطيع تطوير وصيانة وإعادة إنتاج مؤسسات دولة الحداثة وإعادة إنتاج نفسها ، وكذلك طريقة التفكير الإقطاعية تطور وتصين وتعيد إنتاج مؤسسات دولة الإقطاع وإعادة إنتاج نفسها.

في دولتنا السودان تلتيق مؤسسات الدولة الحديثة مع المؤسسات التقليدية تحت سيطرة طريقة التفكير الإقطاعية لم ينتج عنه إلا ضعف كفاءة وتدهور وتفكك المؤسسات الحديثة كما في مثال العربة أعلاه، لأن طريقة التفكير السائدة ليست لها القدرة والمعرفة لتطوير وصيانة وإعادة إنتاج المؤسسات الحديثة.

 بل الأدهى والأمر أن طريقة التفكير الإقطاعية وفي هجوماتها الأخيرة أضحت تفكك مؤسسات الدولة الحديثة نفسها، السكة حديد ومشروع الجزيرة،الجيش والشرطة والاحزاب والنقابات.وتبني لنفسها الأدوات التي تعرفها وتجيد إعادة إنتاجها وصيانتها وتطويرها، القبائل والطرق والجماعات الدينية والمليشيات القبلية والدعم السريع.

ماذا يلزمك لتقود عربة؟ يلزمك طريقة تفكير حديثة متطابقة مع الآداة الحديثة، يلزمك مؤسسات حديثة، يلزمك دولة حديثة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الطرف الثالث في حرب الخرطوم

انطفاء

بيدي لا بيد عمرو