المشاركات

توفيق الملتق

‏"... الأمرُ الذي فات علَى هؤلاء الناس جميعاً أن المكان يتّسِع لكلِّ هذي الأشياء- يتّسعُ للدومة و الضريح و مكنة الماء و محطّة الباخِرة ". الطيب  صالح  ولكن يا استاذ الطيب صالح، هذه حداثة استعمارية   مصنوعة، سلطة حكومية وجيش وأجهزة قمع، مؤسسات حديثة بها موظفين لا يرتبطون بالإدارة الا عبر التعاقد، تم تحطيم مجتمعاتنا القائمة وغرست هذه الحداثة الاستعمارية الغريبة كسلطة تابعة في القمة، وترك القاع للمؤسسات القديمة القبيلة والطائفة حيث العلاقة هى الاسياد والاتباع، لم يكتفي الاستعمار بهذا ولكنه جعل مؤسسات وسلطة الحداثة سائدة وقائدة للمؤسسات التقليدية. مكنة الماء ومحطة الباخرة هى السلطة الحديثة ومؤسساتها، الدومة والضريح هى مؤسسة القبيلة والمؤسسة الصوفية، ولكنها لا تتراكب مع بعضها، فلكل سلطته ولكل رؤاه وكل مؤسسة حديثة او قديمة تحاول أن تتوسع، تسيطر وتستغل باقي المؤسسات. لم يفت عليهم يا استاذي، بل حاولوا كل جهدهم في نفس الطريق البائس، التوفيق والتلفيق تحت مسميات شتى منها الغابة  والصحراء السودانوية والعودة إلى سنار  كل هذا لم يمنع التمزق والتداعي لهذا الكائن الاستعماري المسخ والملتق. 

إنقلاب هيكل السلطة

لم نستطع أن نحقق تغيير حداثي مستدام. هل ننحاز لنخبة دولة الحداثة الإستعمارية التي لا ترى الا منفعتها عبر الوكالة للأسياد، وبقيادة جيشها المكرس لقمع السودانيين؟ هل ننحاز لهذه الجثة، لهذه الزومبي، السعلوة، التي تتحرك بمص دم السودانيات والسودانيين؟ أم نقف على الحياد ونتأمل زحف الكيانات القديمة القبلية والعشائرية (قاعدة النخبة الاستعمارية) وهى، وبكل جلافة، تبدل مكانتها من قاع الهرم السلطوي والحكومي لدولة الإستعمار إلى أعلى الهرم؟ ننحاز لمن سيقمعنا ويغتصبنا ويقتلنا بلا ادعاءات، قمع صريح وتراتب واضح. هل هذه خاصية للنظام الراسمالي أن يفكك ويعيد ترتيب الهوامش (المستعمرات القديمة) ويحول الوكالات من الحكومات لأفراد. هل هنالك اي خيارات أخرى؟ ليس تحطيماً ثورياً لدولة ٥٦، وإنما هو تحلل لتناقض تعشيق الأدوات الحداثية مع مؤسسات ما قبل الحداثة في دولة الاستعمار بالقمع الثقافي، السياسي، التربوي، الاقتصادي الناعم وبالقمع المباشر الخشن. تحلل أدوات الدولة أدى لقلب علاقات أطراف السلطة. ولكن بما انه ليس تحطيماً ثوريا فستستمر العلاقة الغير سوية والهيكل المشوه، فقط ستتغير العلاقة. ستكون العشيرة في القمة وتحته

الحارس مالنا ودمنا

 إن طريقة تفكيرك لا تجعلك تتعنت في نكران الحقائق، ولكنها من المكر بحيث إنها تحجب عن نظرك ما لايتوافق معها إبتداءاً. وعيال الطبقة الوسطي المدينية يتأوهون من فعايل الجنجويد ووحشيتهم ودمويتهم وايغالهم في الدم والقتل والاغتصاب، ويحاولون افحامنا بسؤال:  هل يفعل جيشنا مثل ذلك؟! هل إن وقفت لهم يقتلونك؟! يغتصبون نساء اسرتك؟! يحتلون بيتك ويطردونك منه؟! لن احكي لك عن فعائل جيشنا،  فهو  بطبيعته قد صممه الانجليز لمحاربة شعبه، ولكني ساحكي لك عن سياسة ثابتة لهذا الجيش منذ الإستعمار بالاستعانة بفرسان القبائل في الارياف لمحاربة القبائل المنافسة. سأحكي لك عن مساهمة القبائل في حرب الجنوب مباشرة بعد مغادرة الانجليز، عن الاطفال معلقين في اسنة رماح فرسان القبائل، عن حرق قطار الضعين وصراخ المواطنين الجنوبيين بنساؤهم واطفالهم واللهب ينتاشهم والقطار قد تحول لاقفاص حديد ونار، محاطون بكلاب لهب القبائل بالسيوف والرماح والبنادق. ساحكي لك عن حرق القرى في جبال النوبة، في النيل الازرق وفي دارفور ومن يخرج منهم من النار الرجال للرماح والسيوف والنساء للاغتصاب وهن والاطفال للعبودية. كل هذا تم تحت سمع وبصر وبتأليب وقيادة

بيدي لا بيد عمرو

في كتاباتي القديمة قلت أن الذي سيحول دون قيام دولة المليشيات ووراثتها لدولة ٥٦ هو العمل المدني الدؤوب لقيام الحكومات المحلية على اساس لجان الحي والقرية والفريق ومن ثم المدن والاقاليم واخيرا استلام السلطة. ومضمراً ان من سيقوم بهذا العمل هم الديمقراطيون والديمقراطيات الذين هم متحالفين لإنجاز هدف دولة الديمقراطية والسلم والعدل بزعامة وعلى اكتاف عامة المواطنين وفي قبل السودان الاربعة. بسبب تدهور وفساد وقصر نظر النخبة بقيادتها العسكرية، تسارعت الاحداث والخراب، وإن تم انجاز ما نفخر به على صعيد قيام تحالفات غير مكتوبة بين ثائرات وثوار ديسمبر من كل الأقاليم وقيامهم بتكوين اللجان والتقدم بحماس وثبات لتحقيق اهدافهم، الا ان الواقع يتقدم على هذا التحالف بخطوات متسارعة . الآن وفي ظل واقع تهديد قيام دولة الاسرة المستندة على القبيلة وتحطيم ما تبقى من سودان ٥٦، تبقت فرصة اخيرة لهذه النخبة بجناحيها المدني والعسكري ، بدلاً من توزعهم على المعسكرات المتحاربة واحلامهم بنيل نصيب من كيكة دولة الاسرة والمليشيا، أو بنيل نصيب من شبح دولة ٥٦ بدكتاتوريتها العسكرية_الكيزانية، بدلا من هذا عليهم التوحد والوقوف بثبا

الطرف الثالث في حرب الخرطوم

 للمثقف الذي نذر صفحاته في الميديا لتحليل الواقع السوداني والانحياز للمواطن السوداني، أستغرب كيف انك لم تنتبه انه لأي حدث نهايات ومآلات لا نهائية وليس احتمال او احتمالين من تجريد تفكيرك تريد أن تسوق لهما الناس سوقا" هذا اولاً. ثاني استغراب هو انه ومن طبيعة كتابتك اتوقع أن يكون اتجاهك هو اتجاه تقوية الكتلة المدنية الثورية لا كتابع لجهة وانما كمؤثر يضع له الخصوم حسابا وبل يفرض الاتجاهات والمآلات. اذا وضعت الكتلة المدنية الثورية كتابع تحت راية محددة فأنت تسخر كل امكانياتها الكامنةكخادم لطرف وتوقف تطورها، تحصر مكاسب كتلتك بما ستتفضل به هذه الراية عليك من المكاسب او بما ستفرضه عليك من الخسارات إن انتصرت، وستتحمل كل الخسارة اذا انتصر الطرف الآخر او ان توسعت الحرب، او دولت. لذا فمن البديهي أن نصطف كلنا حول رؤيتنا ورايتنا واهدافنا ككتلة مدنية ثورية متعالية على الطرفين، الكتلة المدنية الثورية فاعلة وليست تابعة ففكر فيها وخاطبها كفاعلة.  في رأيي ان هذا ناتج عن رؤية لبعض المثقفين وبرغم تصايحهم عن الشعب وقدراته الا انهم في حقيقة الأمر لا يرون الا السلطة والقوة ولا يرون أن الشعب قوة وللمدنيين

هل هناك ضرورة للعلمانية في مجتمعاتنا؟

 هناك فكرة فاسدة عند معظم المسلمين زرعها فيهم المثقفون الاسلاميون وهى أن العلمانية في المجتمعات الغربية نتجت عن مؤسسة الكنيسة وهى مؤسسة كبيرة وراسخة ومتدرجة من كنيسة الحى وحتى رئاستها في روما او غيرها. تاريخياً هيمنت هذه المؤسسة على المجتمعات ونافست وتغلبت على السلاطين، وغيرت من معاني الدين ليتناسب ومصالحها وفسدت وطغت وتجبرت وساندت الطغاة حتى وجب وضعها في حدودها فكانت العلمانية. كل ما ذكر اعلاه  صحيح واتفق فيه معهم، نقطة الخلاف تأتي بعد مقارنة المجتمعات الغالب فيها الدين الإسلامي مع مجتمعات الغرب، فحينها يقولون أن العلمانية لاتصلح لهذه المجتمعات إذ ليس في الدين الإسلامي من مؤسسة تشابه مؤسسة الكنيسة، فالمسجد مختلف عنها جذرياً، إذن لا مكان العلمانية في هذه المجتمعات. ما يغيب عنهم او يمارون فيه ان الدين المسيحي ومؤسسته اللاحقة له بدأت وتطورت بمعزل عن الدولة وبل في تضاد معها، وحينما نما وانتشر وكبرت مؤسسته تحالفت اكبر امبراطورية في وقتها وهى الإمبراطورية الرومانية مع مؤسسته، فكان دائما هناك مؤسسات دنيوية للحكم ومؤسسات دينية متحالفة معها وتتبادل معها المصالح والدعم. القصة مختلفة مع الاسلام،

مفترق طريق الثورة

 جنرالات المؤسسة العسكرية قلب الطبقة البرجو_طائفو_قبلية، ووارثي الحاكم العام الاستعماري، القوة المعبرة عن سلطة الحداثة الاستعمارية بمؤسساتها الحكوميةالمغروسة في قلب المجتمع بمؤسساته التقليدية من قبيلة وطائفة. والجنجويد، اليد الباطشة لبرجو_طائفو_قبليو الاطراف، زحف المؤسسات الطائفو _قبلية على ما تبقى من مؤسسات الحداثة الاستعمارية. المؤسسات الحكومية وريثة الاستعمار وتوابعها من مؤسسات القبيلة والطائفية لها من العمر والخبرة والدهاء والسلطة الاقتصادية والاجتماعية مما يمكنها غالباً من الفوز على الافندية وتشتيتهم ونزع حدتهم ووحدتهم. فأن كانوا يحلمون ببرتقالة، يفاوضونهم ويماطلونهم حتى يصبح الهدف بصلة، ومن ثم يفرطونها قشرة خلف قشرة، ويمنونهم باللب، ولا لب للبصل كما تعرف يا صديقي فهى قشور حتى النهاية. تفوز الطبقة البرجو_طائفو_قبلية دوماً على الافندية لأن الافندية  ليست لديهم مؤسسات قاعدية لتحقيق اهدافهم، المؤسسات الحكومية والشركات والادارات، اي المؤسسات الحديثة هى في يد الحكومة. والمجتمع القاعدي نهب لمؤسسات الطائفة والقبيلة. التقابات؟ السلطة قادرة على حلها، التلاعب بقيادتها، وبل تغيير جماهيرها كم